
بنشاب : صدقاً، ما رفعت جيكني صوتها إلّا ارتجّ الفضاء مهابة، وما انطلقت حناجرها إلّا سمع صداها القريب والبعيد. فمن هذه المدينة الوادعة، التي اختزنت في ترابها ذاكرة الصدق والصلابة، دوّى النداء باسم محمد ولد عبد العزيز الشهم البطل؛ نداءٌ خرج من أعماق القلوب لا من أطراف الألسنة، نداءٌ نحتته العروة الوثقى بين الشعب ومن أحبّوه حبّاً صافياً لا تشوبه مصلحة ولا تكتنفه مناورة.
في جيكني، حيث تتقاطع الجغرافيا بالوجدان، وحيث تنبجس الأصالة كنبعٍ لا ينضب، وقف السكان يودّعون موكب الرئيس الحالي، لكنّ الحقيقة التي شهدها الجميع أنّ الوداع لم يكن هو الحدث، بل كان الحدثُ الهتافُ الذي اخترق الصمت، واخترق البروتوكول، واخترق المسافة حتى سُمِع من “صفر”.
لقد صدحوا:
“عزيز… عزيز… عزيز”
كأنهم يعيدون إلى الوجود صدى رجلٍ لم تبرح سيرته وجدانهم، ولم تغادر مواقفه ذاكرتهم، ولم يغب حضوره عن ضمائرهم لحظة واحدة.
هتفوا باسم محمد ولد عبد العزيز الشهم البطل، لا تزلفاً، ولا استدراراً لرضى، بل إقراراً بحقٍّ يعرفونه، وعرفوه حين رأوا في عهده ما عزّت رؤيته في غيره.
يا لساكنة جيكني!
رفعتُم القبعة – بل الشموخ كلّه – حين أثبتم أن الوفاء لا يُستدرج، وأن الذاكرة الشعبية ليست ورقة في رياح السياسة، وأن الرجل حين يسكن القلوب تدوي باسمه القرى والبوادي والحواضر.
لقد أسمعتم الرئيس الحالي ما لا ريب فيه:
أن محمد ولد عبد العزيز الشهم البطل ما زال في وجدان الناس مقاماً لا ينازع، وفي قلوب الأحرار منزلة لا تُدرك، وأن الهتاف باسمه شهادة لا تتلوّن بتبدّل الأيام.
ويا لبلاغة ذلك المشهد!
مدينة جيكني لم تتكلم، بل تجسّدت لغةً، وفاضت بياناً، ووقفت موقفاً لا يقرؤه إلا من تمرّست قريحته بأساليب العرب وفحولها:
موقفٌ يجمع بين الرصانة والجزالة والدقة، لا غلوّ فيه ولا تفخيم، بل صدقٌ خامٌ خرج من قلب الناس كما تخرج الحقيقة من معدنها بلا شوائب.
سلامٌ على جيكني، مدينةً وقلباً وروحاً.
سلامٌ على ساكنتها الذين رفعوا صوتهم بما آمنوا به، غير هيّابين ولا مترددين.
وسلامٌ على محمد ولد عبد العزيز الشهم البطل، الذي أثبت الزمن أن مكانته في صدور الأحرار أكبر من أن تزيلها العواصف، وأعمق من أن تطمسها التحولات.
هكذا تُكتب الشهادة حين تنطق بها جيكني…
وهكذا يُرفع الاسم حين يكون اسماً محفوراً في ذاكرة الأرض قبل ذاكرة الناس:
محمد ولد عبد العزيز… عزيز… عزيز… عزيز.
