العودة من الشمال

سبت, 25/10/2025 - 00:00

بنشاب : في طريق العودة من مغارات المنقبين، حيث البؤس لا يُروى بل يُلمس باليد، في لقمةٍ يابسةٍ، وماءٍ ملوثٍ، وليلٍ باردٍ على حصيرٍ من ترابٍ، شعرت أن التعاسة هنا ليست حالةً عابرة، بل كائنٌ يعيش بينهم، يأكل معهم ويبيت بينهم. وهناك، على مشارف أكبر شركة ذهب في البلاد، اكتشفت المفارقة الثانية: أن الطريق المؤدية إلى مناجم الثروة هي أسوأ طريق في العالم، كأنها لعنة وضعت عمدًا لتذكّر السالكين أن الذهب هنا لا يُوزَّع على السواعد التي حفرت لأجله.

أما المفارقة الأولى، فكانت أوجع؛ إذ حين اعتليت التلة المقابلة للشركة، رأيت بعيني مشهدًا يلخص مأساة وطنٍ بكامله: مدينة غربية الطراز، أنيقةٌ كأنها اقتطعت من عالمٍ آخر، تحيط بها الأسوار العالية والحراسة المشددة، وخلفها مباشرة تتكدس أكواخ البؤس وأجساد أبناء البلد المرهقة، يراقبون من بعيد ذهبهم المسروق وبريقه الذي لا يضيء إلا للغرباء.

هنا فقط أدركت أن الوطن صار مرآةً مشروخة: في نصفها الأول تُصقل الثروة بآلاتٍ حديثة، وفي نصفها الآخر تُسحق الكرامة تحت أقدام الفقر.
وهي في إطار تختفي منه ازيد من أربعمائة مليار و يبررها حماة اللصوص بسوء التسيير