
بنشاب : في مواقيتٍ تُمحَّصُ فيها الضمائرُ كما تُمحَّصُ الذرّةُ في كفِّ الضوء، ينكشفُ معدنُ الكلمة، ويُختبَرُ وفاءُ العهود. فحينَ يصيرُ المظلومُ رهينَ جدرانٍ لا تَسمعُ أنينَه، ويغدو الصمتُ شعارَ من انتدبوا أنفسَهم لحراسةِ الحقوق، فاعلم أنَّ ميزانَ العدلِ قد مالَ، وأنَّ روحَ المروءةِ تَستغيثُ في صحراءِ الخذلان.
إنّ محمد التار محمد آب ليس مجرّدَ اسمٍ في سجلِّ الموقوفين، بل هو شاهدٌ على زمنٍ تنكّرَ لضميرِه، ومرآةٌ تُعرّي وجوهَ الخاذلين. لقد صارَ صمْتُ الأحزابِ والمنظماتِ نَشيدًا مُرهقًا، تُؤدّيه الألسنُ التي خَشيتْ أن تَنطِق، وتوارتْ خلفَ ستارِ الحيادِ الزائف، كأنّها تُعلنُ براءةً من ميثاقِ الشرفِ الوطني.
أفما علموا أنّ السكوتَ على الظلمِ خيانةٌ للعدل، وأنَّ الإذعانَ للجورِ هو أولُ مسمارٍ في نعشِ الدولةِ التي تُفاخرُ بسيادةِ قانونٍ لم يبقَ منه سوى اسمه؟ أفما أدركوا أنّ المروءةَ لا تُقاسُ بعددِ الخُطبِ، بل بموقفٍ يُكسرُ به الصمتُ حينَ يكونُ الكلامُ دينًا؟
إنَّ في استمرارِ حبسِ الرجل ظلماً، انكسارًا لهيبةِ الشريعةِ التي نادتْ بالعدلِ ولو على النفس، وتنكُّبًا عن صراطِ الدستورِ الذي أقسموا على صيانته. وما الإفراجُ عنه إلّا ردٌّ لروحِ القانونِ إلى جسده، وإحياءٌ لمعنى الإنصافِ قبلَ أنْ يُدرَجَ في دفاترِ التاريخِ كحلمٍ تَبدَّد.
فليُرفعِ الظلمُ قبلَ أنْ يُصبِحَ الصمتُ هو المتَّهَم، ولْتُفتَحِ الأبوابُ قبلَ أنْ يُغشَّى على الضمائرِ من ثِقَلِ التواطؤ.
الحريةُ لمحمد التار محمد آب… فبها تُقاسُ كرامةُ الأوطان، وبها يُختبَرُ صدقُ الرجال.

