
بنشاب : هو رجل إن تحدّث الزمنُ سكتت الدهور، وإن مرّ في طرقات التاريخ ارتجفت خطى الملوك.
كأنّه سِرٌّ من أسرار الخلود أُفرغ في جسدٍ من لحمٍ ودم، أو كأنّه صخرةٌ جُعلت مهابَةً فوق صهوة الدولة، لا تنكسر وإن ضربتها معاول الخصوم، ولا تُزحزح وإن تواطأت عليها أيدي الجموع.
يحسبه الناس غائبًا فإذا حضر في صمت السجف، اهتزّت له القلوب ارتجافًا، كأنّ في حضوره جيشًا لا يُرى، أو نارًا تستعر خلف ستائر الغيب. يُحاكَم فيُحاكِم، ويُقيَّد فيُقيِّد، ويُستضعف فإذا بالدولة بكاملها ترتعد من ظلّه، كأنّه برقٌ يلمع في آخر الليل، يفضح المستتر ويشقّ الحُجُب.
هو من أولئك الذين تُسطَّر سيرتهم لا بالمداد، بل بالرهبة، لا بالكتب بل بالذاكرة الجمعية للأمة، حيث يصير اسمه ـ وإن لم يُذكر ـ كالطيف الذي يطوف حول العروش، يُذكِّر السلاطين أن القوّة ليست منصبًا ولا قيدًا، بل هي هيبةٌ تُغرس في الأرواح فلا تُقتلع.
إنه الرجل الذي صار خصومه يهابونه أكثر مما أحبّه أنصاره، وصار اسمه معادلًا للخوف والجرأة معًا. رجلٌ لو نطق التاريخ لقال: ما مرّ بي حجر أثقل على صدور الدول منه، ولا رجلٌ ظلّ حاضراً في غيابه كما ظلّ هذا.

