شِلَّةٌشِلَّةٌ مختلف ألوانها وألسنتها .........ا

جمعة, 13/12/2024 - 21:54

بنشاب : في احتضار أيَّامٍ، من سَنةٍ توشك أن تُوصِد الباب خلفها..  أتذكّرهن،.. في هذا الكون المُغْبَرِّ بمتغيِّرات التّفاهات، وبألاعيب المِحن الخبيثة، وتناسل الزّيف بخصوبة،.. نتجاذب، نتنافر في رحلات رفاقيَّة، بالصُّدفة،.. بالتفاتة وُدٍّ من القدر، غالبا لا يد لنا فيها ولا ترتيب..قضى الله لي بصداقات من بواكير نَبْض الصُّحبة، اختلفت فيها الألوان والألسن، صداقات عتيقة، نظيفة، عفوية،.. فزتُ بجواهر بشرية من فسيفساء هذه الأرض، تسكنني،.. تسرَّبت إلى أرجائي، وتراكمت صُوَّر محبَّتها، فملأت حفر الذاكرة.. لا أميل كثيرا لتعويض خساراتِ رصيدي من أصدقاء لفَّهُم الصَّمت الأبدي، أو اندرسوا في منعرجات الحياة، فالبديل المتاح اليوم، وبوفرة نادرة، فِخاخٌ من شظايا علاقاتٍ بتوقيت المصالح ،.. ومع العمر نكتشف في زحمة البشاعة، واشْهارات العواطف المغشوشة، كمْ من قبرٍ حُفِرَ للوفاء، وكمْ من كمينٍ نُصِبَ للصِّدق.

بعض صديقاتي..

• "دجيكَو"، فلانية من تخوم "امْبودْ"، مُدجَّجة بقيّم مجتمعها، ينافس لسانها "تدنيتْ ولد مانُ"، .. مزاجها كصبيحةٍ منعشة ليوم صائف.. أهاتفها ضُحًى يوم اقْتراع،..«آلُو عزيزتي» .. يُطالعني صوتها وقد أثقله النوم: «وِي.. لبْرَيْشاويَّهْ»..،  «"دجيكَو" هل أمرُّ عليك؟»  .. تَبْتدرني: «لا داعي، لن أُصوِّت،..  ولِمَ؟ ..، لن أُصوِّت للنّظام،.. صَوِّتِي إذن للمعارضة، أين المشكل؟»،.. تردُّ عليَّ في وقاحة: « لا هذا ولا ذاك،.. كم مرَّةٍ قلتُ لكِ إنَّكم (البظان) مثل "المَخْلوقْ ذاكْ"، فَمه وذيله يتساويان في عدم الطهارة»... ، جزاءٌ جزيلٌ على العناء،.. تُسْمعُنِي دومًا تُحَفًا تراثية من فنون الشَّتم..  لكن قبل أن أغلق الهاتف أهمس في أذنها بلطف.. «الله يَعِمْلِكْ رافْدَه بَاسْنَ».. "دجيكَو" خبيئة من ائتمان،.. شَهِدَ حضنها وحدها دموع ضعفي وألمي.. فهي الحبل الذي أعلِّقُ عليه وجَعِي دون خجل، والمدفن الآمن لحطام انكساراتي.
  
• "ليلى"، قطعة من فرح، خلاسية من أم "بيظانيه" وأب أجنبي، تتنسَّم في أناةٍ أنفاسًا جَمَعَتْ الضِّدَّين من الثقافة، تطارد كلَّ مَلْمَحِ انتماءٍ لهويَّتها التائهة، أصْفَى ما في حياتها الافتتان بثقافة "البظان" بحِرفيَّة العاشق، وبالذَّات Le p’tit quelque chose   الذي يرسم علاقة ذكرهم بأنثاهم في نُبل،.. نتفسَّح مساءً كُلَّما قَدِمَتْ البلد،.. نصطاد بعض السّعادة في اشتهاءٍ للقاءٍ مُقتضب،.. ومن مفتاح مُدْمَج جمعتْ فيه عناوين التَّعلق بالأرض، يتهادى من سيارتها صوت عرَّاب "رومانس"، "سدّوم": «من كل خَطْبٍ مُهمٍّ حسبيَّ الله..»، .. تتنهّد صديقتي في أنينِ نايٍ.. وبلكنة تسْتلف كلماتها من حسّانية غضَّنتْها الغُربة، .. تسألني بصوت كَسِير،  OUF, dis-moi,.. il a perdu sa fiancée  ، ... «الله يَحْكَمْ أعْظَم في الفَهْم».. لقد اختلَط عليها الخَطْبُ والخطيبة،.. نقضي كل سنة - بَيْنَ وَحْشَتَيْن-  أيامًا صافية من تصافينا.. ثمَّ!، تفارق الوطن الذي لا يفارقها،.. وإذَا الدُّنيا كما نعرفها، وإذَا الأحباب كل في طريق..

• "فاطْمَ"، Une stéphanoise  سليلة أسرة من الصّناع التقليديين من "أهل السَّاحل"، تمتلك ثقافة عصرية على حلاوة روح تكسر الجامد، اخضعتْ لسان موليير لسلطانها، تجيد الكياسة وتطويع الانفعالات في عِزَّة نفسٍ، من أهَمِّ إضافاتها للإنسانية،.. أوَّل مشاريع "فاطْم" بعد دخول الجَنَّة، أن ترتوي من الخمر وتتجشَّأ في وجه أوَلِّ "امْرابط" تصادفه في ممرَّاتها.. و بالمناسبة هي زوجة "امْرَابط".. 

 • "أم كلثوم" ، عروبية برصانة صخور "آدرار"، مستنيرة، قابضة على جمر مبادئ أضعفت الهزَّات جذعها،  "تَعَفْلقَتْ" حياتها بوعيِ ثاقب حتَّى السِّجن، ينثال عليها الاحترام جبرًا من استقامة قفزت أشواطا للأمام،.. لم أعرف شخصًا أقْدَرَ منها على تقبُّل الاختلاف، وعلى عطاء لا يعرف الاكتفاء.. ، رَسمتْ شخصيتها بين حرفي كلمة "جدّ"،  والغريب أن جِدّها كان دومًا ذا  خفقان شاعريٍّ رقيق ،.. والطَّريف أنها حتَّى في أكثر أوقاتنا هزلاً وعفويةً وجنونا، ينضبط لسانها  بما أوتي من عناد قومي على الحديث بالفصحى الكحلاء!.. "وذااك شِ اغْلبنَ ينفع فيه شِ!"

•"ميمونة"، "حرطانية" من "بوتلميت"، بسحنة الأبنوس، فارعة الطّول، بسمْتٍ من شموخ كثبان مدينتها، تتلبَّسها القيم على امتداد يومها، مساعِدة اجتماعية من تلقاء كرمها، كلَّما صادفْتُها وجدتها منشغلة بتمريض بعض بني جلدتها من ضعفاء أهل "بوتلميت"، بيض البشرة، أسألها:« هُومَ سُودَانْ أهْلْ بوتلميت أثِرهُمْ ما يَمِرضُ»،.. تقهقه:« لُخاظْ الْباسْ ألاَّ افْشِ مْنْ النَّاس ألَّ لَبَاسْ»،.. لها إحساس يُلِحٌّ على حلاوة المعشر،..  وكلّما جمعتنا صلاة المغرب، تنقلب لإذاعة القرآن، وقد قُطعت مكابح  ارسالها! .. تجويدا، وأدعيَّة، وأورادًا لا تنتهي.

• "مريم"، "زاوية" من "اترارزة"، رزينة، يطفح خُلُقها بالحياء، لَفَّتِ "الأسْلَمَةُ" حبالها مؤخرا حول بوْصلتها، مُتخمة بثقافة وتجربة حصَّنتْها ردحا من التّزمُّت ، وحفظتْ عليها الفطرة روحها السَّاخرة، وحبّها للنّكتة،.. ومن مرقدها الفكري الجديد، وجَرْيًا على سُنَّة الطَّمر بالنفايات الإلكترونية، قرَّرتْ "اشْويخَه" أن تُجرِّب عليَّ ما اكتسبت من مهاراتِ جديدة في "فن" دعوة المسلمين للإسلام،.. تقصفني برسائل الخواء المُنهَكَة، معلبات ألكترونية فقدت طاقتها الجهادية من فرط القفز بين هاتف وآخر،.. تُوزِّع صديقتي بُكائيات وعظٍ، مُخوِّفة للنَّفس الشهوانية و مُطمِّعة لها بجَنَّة من أكْلٍ وجِنس!،.. وقصائد من شِعْرٍ فاقدٍ للشُعور لبعض أقطابها الرُّوحيين اتجاه الاضداد،.. وصوتيات الانتشاء المزعوم.. ارتحلتْ رفيقة عمري من تقدمية تصبو لثورة بالعقل، إلى لاهوتية تثور على العقل، فعرفت أن الوعي لا يحصن من رِدَّة الفكر .. انتقِمُ بدوري من المُستفزّة المُتحوِّرة، وأهديها كل مُفْرِحٍ من أخبار "السِّيسِي"، و"المُحَمَّدَيْنِ"، .. من باب تهادوا تحابُّوا..

• "فطمة"، مناضلة شرسة، تجيد استخدام أدوات العقل، وُفِّيَّتْ حُجَّة المنطق العصري المستنير في قولها ونضالها، ووُفِّيَّت الذَّوق السّليم في أنوثتها وأناقتها، تمنَّيتُ أن أسمع منها تحت قُبَّة البرلمان، لكن، .. ربما عدم قدرتها على أن تكون شيئًا آخر غير نفسها، أو ربما لجهلها بالفنون القتالية الرخيصة (فئة الحرابة السياسية)، أو ربّما لضعفٍ في عضلة اللّسان أو تقزُّمٍ في قامته،.. كل ذلك افقدها السّرعة المطلوبة اليوم للتَّورُّط في الفوز،.. فخسر الوطن بخسارتها مقعدا في البرلمان (عگبت دخلتو).

هذه النماذج المنشقَّة عن عتمة القبح المجتمعي، غير متجانسة الانتماء العرقي أو الفكري، لكنها متناغمة جدا في علاقات نُسجت بمغزل المَدَنِيَّة، لم يجمعها مَرَق السياسة،.. قاسمها المشترك انفتاح الذّهن وانضباطه في وجه نشيش الارجاف، ورفض القوالب التي تُسجِّل انتصارات المخدوعين باسمها للشُّهرة والتَّشهير، وتبني استحكاماتها من تعصُّبٍ يستعجل الأعاصير.. كيف بِسَمِيٍّ من الناس عاش في مُجتمع مُنْغَلِقٍ مُغْلَقٍ مُتجانسٍ كسرب الطير، يُفرِّخ الاختلاف من بيوض التَّنوع.. أن يُنَظِّرَ لعلاقاتِ مُجتمعِ المدينة، بأفكارٍ لا تستحق حتى الرَّفس بقدم الازدراء..
 يقول جبران:«إنما النَّاس سطورٌ كُتبت.. لكن بماء»..... بعض الناس كتبت سطوره بماء الذَّهب.

 كل عام وأنتن حبيباتي..