بنشاب :قال النائب البرلماني ورئيس حركة إيرا بيرام الداه اعبيد، إن موريتانيا كانت آخر بلاد تسلك طريق الخلاص، بعد كل باقي البشرية، مؤكدا أنه من تأخر إلغاء الرق نتجت صعوبة الكفاح بين المطالبة بالقوانين الصارمة، والخيبة من تطبيقها، وخطر التضخم التشريعي في وجه مقاومة التغيرات.
وأكد ولد اعبيد في محاضرة له خلال مشروع الصوت الإفريقي ضد الرق بجامعة كوليج إيست لندن ULC EAST، أن الحكومات الموريتانية المتعاقبة، نابعة كانت من انتخابات مزورة أو من انقلابات، تستمر في إبطاء أو كبح أو احتواء المطالب بحكم ردود الفعل النسبية أو الانكار في الغالب.
وتابع ولد اعببد: "وبما أننا غير مرتاحين للاستنساخ المستمر للخديعة، اتخذنا يوم 27 ابريل 2012، مبادرة الحرق العلني، وأمام جمْع من المناضلين و الصحفيين، لأقفاف من الفقه المنسوب للإسلام تتضمن قواعد تسيير السيد لقطيعه البشري، أي نحن، نعم، نحن نسْل المنبوذين المسترقين. ما أدى إلى اعتقالنا سحلنا وشتمنا، بالإضافة إلى الفتاوي بالشرك والتكفير، وأصبحنا من حينها عرضة لغضب أتباع النسخة الظلامية من العقيدة في بلدنا، كما صرنا قربانا لسخطهم".
وقال بيرام الداه اعبيد، إن روابط وأحزاب سياسية وشخصيات مشهورة طالبت بالحكم علنا بالإعدام، وكان علي شخصياً -يضيف ولد اعبيد- أن "أسكِن و أدرس أبنائي في السينغال المجاورة من أجل حمايتهم من سيل الكراهية الجارف".
وفي مايلي نص المحاضرة:
"ذوونا استرقونا
رفاقي الأعزاء، أيها الأكادميون، والباحثون، والنشطاء، والإعلاميون..
يسعدني أن أتحدث وإياكم على أرض المملكة المتحدة التي سن برلمانها إلغاء قانون المتاجرة بالرقيق سنة 1807، ومن ثم حظره، سنة 1848، وحظر معه جميع الممارسات الشبيهة به على كامل تراب الإمبراطورية.
لقد لعبت مؤسسة لندن المناهضة للرق دورا محوريا في الحركة التحررية، ما دفع حكومة جلالته إلى تبني موقف مجسد في ترقية المساواة العرقية لدى غالبية بلاطات أوربا التي لم تزل حينها مترددة في القضاء على الفقرات القانونية من الاستثناءات الموروثة: القدرة على امتلاك مثلك، والتشغيل دون راتب، وحتى منحه وبيعه بوصفه أملاكا منقولة.
كان الحِبر العلامة الفلاّني، اتيرنو سليمان بال، قد استطاع، قبيل وفاته سنة 1776، أن يقضي على النظام الفئوي وامتلاك الفرد للفرد على ضفتي نهر السينغال. وإلى يومنا هذا، يبقى ذلك الحدث أقدم مرجعية في الذاكرة لواجب إقامة الحق الطبيعي للناس. كان القائد الفلاّني المصلح يتصرف وفق مبادئ وقواعد الحكامة المباحة. في كل مكان، وليس فقط في القارة، واصل مفكرون مشهورون، ومدافعون عن الحرية، وأمراء، ومستشارو بلاطات، ومجرد شهود أو ضحايا للاستغلال بسبب دونيتهم، واصلوا هذا الجهد العالمي على درب ما نسميه اليوم "المواطنة". إن هذا المفهوم يجسد الانتماء لمجتمع يعترف لكم بصفة الفرد العاقل، ويحميكم، انطلاقا من قاعدة تكافؤ الحقوق، دونما اهتمام بالمولد.
لا شك أنكم تعرفون أن بلادي (الجمهورية الإسلامية الموريتانية) كانت، سنة 1981، آخر بلاد تسلك طريق الخلاص، بعد كل باقي البشرية. ومن تأخر إلغاء الرق نتجت صعوبة كفاحنا، بين المطالبة بالقوانين الصارمة، والخيبة من تطبيقها، وخطر التضخم التشريعي في وجه مقاومة التغيرات. إن الحكومات المتعاقبة، نابعة كانت من انتخابات مزورة أو من انقلابات، تستمر في إبطاء أو كبح أو احتواء مطالبنا بحكم ردود الفعل النسبية أو الانكار في الغالب. وخلال مسيرتنا الوعرة نحو الحياة الطبيعية، بقينا نقاسي محن السجن في الفيفاء، تحت سقف صفائحي شديد الحر. كما تعرضنا للحملات التشويهية، وللتشهير، وللابتزاز، وللدعوة للقتل لغايات ظلامية. لقد كان محكوم علينا بالهلاك بسبب الانتقام من خلال الشارع، لأن كفاحنا لاستعادة الكرامة يمثل، في نظر المتحاملين علينا، تمردا مناهضا للاسلام. فمنذ بداية الرق في الصحراء الكبرى إلى يومنا هذا، يستخدم جلادونا العقيدة بغية إخضاعنا. ولعله من السخرية بمكان أن نشير إلى أنهم يدّعون، اليوم، أنهم سيحرروننا باسم نفس التدين الذي أكسبنا، من جانبهم، قرونا من الاستسلام الهمجي.
وبما أننا غير مرتاحين للاستنساخ المستمر للخديعة، إتخذنا يوم 27 ابريل 2012، مبادرة الحرق العلني، وأمام جمْع من المناضلين و الصحفيين، لأقفاف من الفقه المنسوب للإسلام تتضمن قواعد تسيير السيد لقطيعه البشري، أي نحن، نعم، نحن نسْل المنبوذين المسترقين. ما أدى إلى اعتقالنا سحلنا وشتمنا، بالإضافة إلى الفتاوي بالشرك والتكفير. وأصبحنا من حينها عرضة لغضب أتباع النسخة الظلامية من العقيدة في بلدنا، كما صرنا قربانا لسخطهم. وقد طالبت روابط وأحزاب سياسية وشخصيات مشهورة بالحكم علنا بالإعدام. وكان علي شخصياً أن أسكِن و أدرس أبنائي في السينغال المجاورة من أجل حمايتهم من سيل الكراهية الجارف. بالطبع، وكما توقعت، فشل هذا التحامل بفضل الله و الوعي المتنامي في شعبنا و تضامن شركائنا في العالم الحر، فيما كان ذلك التضامن أقل بكثير في العالم العربي-الإسلامي و الأفريقي. فداخل الأمة، يأخذون علينا أننا تجرأنا على ذكر عار لحق بمجتمعنا بدلا من أن نحمّل مسؤولية الرق، تاريخيا، لمساوئ تجارة الرق باتجاه أمريكا الشمالية وحدها. هذا العبث الحصري لا يحظى بدعمنا. بعيد من ذلك، لا، ونقولها ملء أفواهنا. إن الاسترقاق العرقي في موريتانيا ناتج عن عملية احتيال بدائية مارسها أصحاب نفس الملة، وفيما بعد، المشتركون في ذات الوطن على أهلنا بحجة الدونية الفطرية. الآن، وبعد أن سحرتنا آفاق الخروج من أغلال الظلم، فإننا لسنا مستعدين لبيع حقيقة العنصرية. إننا نرفض أن نكون ضحية لقراءة مبتذلة تنقل الذنب إلى الرجل الأبيض القوقازي، المسؤول سرمدا عن مآسي الأرض. نعم، إن معذبينا، المسؤولين عن إحباطنا واستيائنا هم منا بالأساس. إننا نولد ونترعرع ونموت وفق ميولهم السيادية لمنحنا معروفا أو اهتماما أو تساهلا. إن القسوة تجاهنا لم تأت بحال من الأحوال من الاستعمار في هذه النازلة بالضبط. ها نحن هنا، من الساحل إلى خليج الفرس، مرورا بإفريقيا الشمالية، ملايين من القتلى والناجين من اتراجيديا خاصة بتقاليدنا وغير مرتبطة على الاطلاق باحتياجات الصناعة الغربية أو الامبريالية. في موريتانيا، يقع الرق وآلاف أنواع التمييز بين السكان المحليين.
أيها السيدات والسادة، بالرغم من تعبئة وسائل الدولة الهادفة إلى شرائنا وإضعافنا، وبالرغم من تحامل القضاة الخاضعين للجهاز التنفيذي، واضطهاد مناضلينا، ومنعنا من مزايا الثروات، لم نتوقف عن مواصلة تحقيق خطونا إلى الأمام. لا شك أن تفوق أسيادنا القدامى احتكروا به الاقتصاد وإدارة الدولة وامتلاك الأرض والقيادة العسكرية والدين. ومع ذلك، وعلى الرغم من الصعوبات الجمة، فإن الكثير من الموريتانيين، بمن فيهم المولودون على الجانب الآخر من المطبات العقلية، التحقوا بنا ونشروا معنا ما نحن بصدده من تحقيق المساواة. ونتيجة لهذا الوضع، قررت، منذ 2014، أن أتقدم، ثلاث مرات، للانتخابات الرئاسية. ولو كان لنا أن نصدق الأرقام التي قدمتها الهيئة المكلفة بمراقبة التصويت الواقعة تحت قبضة الحكومة، فقد قفزت، سنة 2014، من 8%، إلى 18.58% سنة 2019، وإلى 22.10% سنة 2024. ولنكن مفهومين، فالصعود المعبر عنه هنا، لن يعرف إلا فترة راحة خاطفة قبل اكتماله بوصول حرطاني (حفيد عبد أو ابن حفيده) إلى دفة الحكم. إنه هدفنا المعلن الذي نخصص له كل احتياطاتنا من التفاؤل والنشاط الحيوي.
نعم، لقد تعلمنا كم أن السعي المرهق إلى المساواة يفرض علينا –ليس خيارا منا- واجب الوصول إلى السلطة بهدف أن نكون فاعلين منظمين ذاتيا لخلاصنا و خلاص جلادينا التائهين في وحل المقاومة اليائسة للحتمية الديمقراطية و الديمغرافية و التاريخية. لم نعد نستجدي الصدقات الضنينة للجمهورية الإسلامية الموريتانية، ولم نعد نتوقع من فقهائها، الجامدين في العصور الوسطى، بنودا لتحريرنا. كما لم نعد نأمل شفقة أئمتها، ناهيكم عن تؤدة شرطتها. من الآن فصاعدا، فإن حكم صناديق الاقتراع يخفي في طياته يقيننا المطلق بانتصار الأسلوب التربوي على العمى، والحوار على النفور، والمسالمة على محاولات الانتقام. إن شعبنا الكثير عدديا، والممنوع من تحقيق أحلامه بالاستقلالية، يعاني من أمراض الزمن الغابر، ومن التهميش، ومن الأمية، ولا يجد قوته اليومي إلا بإكراهات العمل غير اللائق. وعندما ينجو أطفاله من الإلتهابات وسوء التغذية، يصلون، بسرعة وبشكل سيّء، إلى مرحلة البلوغ وسط أحياء هشة، فيكونون عرضة للانحراف. إن عدم ولوج الحراطين إلى البنية الفوقية الفكرية والمعنوية للمنظومة، يبقيهم عالقين في الحلقة الزمنية لتعهد مؤجّل على الدوام. وفي الوقت الحالي، باتت مطامحهم تتضاءل. إننا نشجع الاستعجال ولا نريد أن نسمع عبارة ترك الزمن للزمن. إن الأمر بالإنصاف هو نداء تأديبي للضمير الذي لا يتناسب مع التردد والتساهل وأنصاف الحلول غير المجدية.
إن الرق منتشر في موريتانيا على شكله المتوارث كابرا عن كابر. وإن القوانين التي نظمت ممارسته في السلطنات العربية وفي إفريقيا الشمالية والغربية، هي السائدة، بحكم الواقع، فينا. وإن الفاعلين الدوليين –الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، والجامعة العربية، ومنظمة حلف شمال الأطلسي، والكثير من الهيئات المتعددة الأطراف- لا يجهلون العار الذي وصفتُ. ومن المناسب أن نعزو للشركاء الأجانب درجة عالية من التواطؤ مع الهيمنة العرقية-القبلية التي تولّد لدينا مثل هذا الظلم. ففي وجه الرسميين الموريتانيين، يكتفي الأوربيون، الوقحون والواهنون، بمعايير المعاقبة الخفيفة و"ندوات التعبئة وتقوية القدرات"، والأدهى من ذلك أنهم يمولونهم بلا جدوى. إنهم يؤيدون التمظهر والخداع على حساب الواقع المحسوس. هذا بالضبط هو تآمر الحكومات والبرلمانات الديمقراطية مع الأنظمة الطاغية الذي نشجبه. هنا تخون دول نصف الكرة الشمالي كل القيم لأسباب غير منطقية. لماذا تمنح موريتانيا الرخصة الغريبة المتمثلة في مواصلة السخرية من العالم وتحديه؟!.
أيها الحضور الموقر، أرجو أن أطمئنكم. ساعدونا في رفع القيود المفروضة على التقييد البيومتري على سجل الحالة المدنية. نريد أن نملأ اللوائح الانتخابية بآلاف الناخبين الجدد وباقي البالغين المحرومين حتى الآن من حقهم المشروع في التعبير ببطاقات التصويت بكل اقتناع وبكل استقلالية وشفافية. إن الديمقراطية الحقيقية وحدها يمكن أن تنقذنا. فمن خلال قاعدة "صوت واحد لشخص واحد"، نراهن على دخولنا الحازم والنهائي في حظيرة القرن الحالي. وحينها، لن يصرفنا أحد عن هدفنا النبيل.
أيها الأكارم، اسمحوا لي، رجاءً، أن أقتبس، في ختام كلمتي، ما قال الكاتب المسرحي والسياسي والمقاوم اتشيكي، فاكلاف هافيل، محذرا، قبل وفاته وخلال تأملاته الصيفية، مؤكدا أن "حقوق الانسان والحقوق المدنية العالمية لن يتم احترامها إلا بشرط أن يعلم الانسان أنه مسؤول عن العالم بأسره".
أشكركم".