بنشاب : الرأي العام يتعطش لتجديد النخب السياسية والإدارية، والدفع ببعض الأوجه الشابة والنسوية في الحكومة المرتقبة، وفي تقلد المناصب على مستوى مراكز القرار. ولكن هل مثل هذه القرارات تشكل بالفعل تجديدا حقيقيا للطبقة الحاكمة، وقطيعة مع الأسلوب التقليدي لتسيير الشأن العام الذي أثبت عدم نجاعته ؟ فالتجارب علمتنا أن الكثير من الكفاءات الشابة والجديدة تتمتع بقدرة هائلة على تبني الأفكار الإصلاحية، دون أن تكون مقتنعة بها، بل واستغلالها من أجل الوصول إلى مآرب شخصية وأهداف مادية.
أما الأنظمة، فدائما ما تسعى، بين الفينة والأخرى، من أجل تلميع صورتها، ونزع فتيل امتعاض الشعب من تدوير النخب القديمة، إلى ضخ دماء جديدة، والزج بأوجه تكنوقراطية، تتمتع بشهادات عالية وكفاءات متميزة. إلا أن هذه النخب سرعان ما تنسجم، وتسير على خطى النخب القديمة، وتُزايد في التعبئة القبلية والجهوية والمنافسة المحلية. هؤلاء هم الوجهاء الجدد الذين يتغيرون عندما يتولون مسؤوليات كبيرة، حيث يدركون بسرعة أن الثراء، عن طريق نهب الميزانيات العامة، وإعادة توزيع جزء منها على النافذين وعلى الزبونية المحلية، وإعطاء الصفقات لرجال الأعمال المقربين من النظام، وتشكيل قاعدة شعبية قبلية ومحلية، هو أساس طول العمر السياسي، حيث يضمن الاستمرار والتنقل بشكل مستمر بين المناصب العليا في الدولة.
على العموم، اختيار الأوجه الجديدة والشابة يتم عادة وفقا لمنطق "الدولة العميقة"، ضمن دائرة محدودة للغاية، في محيط المتنفذين في أجهزة الدولة، مع خلفية الانتماء الأسري للمخزن، والتموقع المحلي، في إطار تكريس الولاء للرئيس، والتبعية للحزب الحاكم. المعايير المطلوبة لاكتتاب النخب الجديدة هي القابلية لتنفيذ ما تأمر به، حتى ولو كان مخالفا للإجراءات المعمول بها وللقانون، وأن تدين بولائها وتعيينها للرئيس فقط، وأن تنخرط في المبادرات القبلية والمحلية الداعمة للقيادة الوطنية.
الحقيقة أن تجديد الطبقة السياسية والإدارية، التي سيوكل إليها تسيير الشأن العام، يمر بالضرورة عبر اكتتاب نخب بديلة، تحمل أفكارا وقيما جديدة، وتتبنى قطيعة مع الممارسات الفاسدة، والتي ما دامت موجودة لا أمل في التجديد. هذه النخب يجب أن تكون مستقلة ماديا وفكريا واجتماعيا، لكي يكون بمقدورها المساهمة في الإصلاح المنشود، وأن تكون قادرة على الثبات على مواقفها، وعلى مقاومة الضغوط العائلية والقبلية واللوبية، وأن يكون هدفها ومشروعها خدمة الدولة، وليس الخدمة في الدولة.
حتى تجديد النخب على أساس هذه المعايير لا يكفي وحده، ما دامت لا توجد على مستوى هرم السلطة نية صادقة للإصلاح، وفهم دقيق للتحديات، مع إرادة قوية لمواجهتها، وصرامة حقيقية للقطيعة مع الفساد والإفلات من العقاب، وتفعيل مبدأ المساءلة والمحاسبة، وتبني رؤية تنموية متكاملة، والتحلي بطموح على قدر تطلعات الشعب، واختيار النخب على أساس الكفاءة والنزاهة، وليس لولائها للنظام، والاستعداد لإشراكها الفعلي في صناعة القرار.
محمد المنير
دكتور في العلوم السياسية