بنشاب: قليلون هم أولئك الذين كتبوا عن معالي الوزير سيدنا عالي ولد محمد خونا، ابتغاء التعريض به، لأن بضاعتهم مجزاة إذا رامت الأخذ منه سواء بإسداء النصح الذي يستبطن الدعوة لامتطاء موجة النفاق والتملق، ولو كان من مثل أولئك، فله من المؤهلات ما يمكنه مما يريد من نظام يلهث خلفه متهالكا، وهذا لا جدال فيه، وسواء بالبحث عن الرتوش أو الخدوش التي طالت كل موظف من الذين تصدروا المشهد السياسي والوظيفي في بلدنا الحبيب، فتلك عديمة الوجود في تاريخ سيدنا عالي ولد محمد خونا، أما الذي لا يدركه هؤلاء ولا يعرفه إلا من ثقفه عن قرب، وهو ما أكسبه الهيبة والوقار والعظمة في النفوس، هو ذاك العشق الإلهي الذي يتملك الرجل في نفسه وسلوكه، فينفق ابتغاء مرضاة الله، ويعبد الله مخلصا له الربوبية، ويخاف الله فلا يجده حيث نهاه، ويقول الحق لا يخشى في ذلك لومة لائم...
هذه الخصال، إذا أضيفت إلى تكوينه الأكاديمي ومساره الوظيفي ووطنيته الصارخة، فضلا عن فكره الثاقب وعقله الراجح، تكونت صورة الرجل بكل أبعادها، مما لا يدركه ساسة عصرنا الذين مردوا على نفاق السياسة وسياسة النفاق، وداسوا القيم والأخلاق والعزة والكرامة بأقدام الطمع والجشع وعرض الضمائر بالمزاد العلني.
إني لألتمس لصحافة النظام ومنافقيه ومتملقيه كل العذر، وهم يقيسون صفات سيدنا عالي على نماذج البشر التي انطبعت في قلوبهم المريضة، وفي وعيهم المختل وفي إيمانهم المترنح على مقياس (نفاقو - متر)، إنه يختلف عن هؤلاء جميعا، كاختلاف جماهيره ومناصريه عن جماهيرهم وأتباعهم.
أنا لن أرد على صحافة بنكيلي ولغو وشطط الناصحين والغاوين، فكلامهم جميعا لا يستحق مني إضاعة وقت ولا إسالة حبر، لا في شكله ولا في مضمونه، ولا في تأثيره الذي يختانون به أنفسهم ويمارونها، فلا يتجاوز تراقيهم حتى يبلغوه للآخرين.
الشخص الوحيد الذي بدا مرتبكا ومستسلما لقدره في طابور المشرئبة أعناقهم للوزارة، ليقول خارج إرادته وتربيته وقناعته، هو المستشار محمد سيدي عبد الله، فخالف ما عهدت في أبيه من شهامة ورفعة وعلو همة، وقد كان أبوه من الرعيل الأول، الذي تعلمنا منه القيم والأخلاق والعزة والكرامة.
ومن ينتبه لكلماته يجدها خروجا صارخا على النص في ما ألفناه من عشقه للعربية واستمتاعه بجمالها، فعلى غير عادته، كانت كلماته ميتة موتة معانيها، موغلة في الإسفاف والإبهام، تعتصر الفكر والخبرة والمخزون المعرفي، فلا تجد غير كلمات تائهة، يرتد القلم خاسئا وهو حسير، ليدرك الغبي قبل الفطن أنه يجاهد غصبا عنه في كلام لا يفهمه وسلوك لا يتقنه وفن عصي عليه ولوجه.
أخي الكريم محمد سيدي عبد الله، أنت الذي يجب عليك أن تعود لرشك، وتنتهي عن غيك الذي تعمه فيه، أتهجوه ولست له بكفء؟، فشركما لخيركما الجزاء!...
كان عليك أن توجه هذا النصح لقدوتك غزواني، فما في المدينة أحوج منه لمثله، وكان عليك أن تذكر لسيدنا عالي انجازا واحدا تحل به به سفك دم الميتة الذي أجريته وأجراك في كبوة من كبوات التاريخ قد طافت بك في غفلة من غفلات الطمع الجامح، وكان عليك أن تتألم لحال وطنك وقد هاجر منه ما يربو على 70 ألف شاب من حملة الشهادات، وذوي الخبرات المتعددة، ليكنسوا شوارع أمريكا، هروبا من الجحيم الذي تقلبوا فيه في خمس عجاف، واستبدلهم نظام الفشل والإحباط بـ300 ألف مهاجر غير شرعي، عجزت أوروبا على بطرها وغناها عن إيوائهم.
كان عليك - إن كنت ناصحا أمينا - أن توجه النصح وحق عليك توجيهه، لنظام تدعمه وتحمل معه وزرھ، لتكون مخلصا لا تخشى لومة لائم، وإلا لا يكون لنصحك محل، لا من الإعراب ولا من البيان، وإذا استحضرت ذلك كله واعتمدته، ستجد معالي الوزير سيدنا عالي أمامك صرحا شامخا من قلاع الحق والإخلاص والوطنية، وستعتذر عما بدر منك في لحظة من لحظات خداع الله والنفس والوطن.
الأستاذ/أحمدو شاش