بنشاب : يعتبر التبراع أدبا نسويا خاصا بالمرأة الموريتانية عرفه المجتمع الموريتاني منذ زمن بعيد، ويتميز هذا الجنس الأدبي الذي يعبر عن حالة عاطفية غالبا بالإيجاز والتكثيف..
وكانت الفتيات يغنين به خارج الحي عندما يجلسن لوحدهن بعيدا عن أعين الرقباء، بحرص تام منهن على أن لاتتسرب هوية الناظمة ..
تقول احداهن:
اَصرَنْدْالْغَضْبَانْ … حَگَّ مَانَكْ ذَاكَرْ شَيْبَانْ؟
وهي هنا تسائل الطائر المعروف ب “اصرندالغضبان” الذي يقترن لدى الموريتانيين في الريف بالبشارة عن أخبار حبيبها متمنية أن يرمز ظهوره إلى قدوم الحبيب..
وتقول أخرى:
يَبَالِي خَرَّصْ … الْبَابَ رَاكَبْ لَمْهَرْمَص ْ
وهنا نرى مدى سعادة الناظمة بمشهد معين، استطاعت أن تحوله إلى تبريعة، والمشهد عبارة عن ركوب محبوبها لجمل يلقب ب “لمهرمص”..
بينما تشفق أخرى على حالها بذهاب محبوبها، وتقول وا أسفي على حالي فقد ذهبت قلبا بذهاب من أحب حيث عبرت عن ذلك بقولها:
اَمْسَيْكِينْ الْبَالْ … مَسَّدْبِ رَايَحْ كَنَوَالْ
ومع مرور الزمن وبحكم تطوره، وظهور مايسمى بالعولمة، وماصاحبها من حريات دخلت على مجتمع محافظ تتشبث فيه المرأة الموريتانية بالإحتشام والحياء، طرأت على أدب “التبراع” صبغة جديدة مغايرة على التي كان عليها، حيث لم تعود هناك سرية تامة ولم تعد الناظمة تحرص على عدم الكشف عن هويتها..
ونرى وسطية في الرأي عند الأديبة اميلم الفروي بخصوص هذه الجدلية، حيث تقول ل”مورينيوز”: “لاأرى أن هناك لزوما للتعتيم على هوية “البراعة” بشكل مبالغ فيه في زمننا هذا، وذلك ماتفرضه الظرفية الزمكانية، فأنا مثلا لدي حساب على وسيلة التواصل الاجتماعي “فيسبوك” باسمي الشخصي وأدون عليه ما انظم من “التبراع” وليس بالضرورة أن يكون معبرا عن إحساسي الشخصي، فأحيانا أنسج تبريعة من خيالي وتكون تعبر عن أخرى، فبنظري التعتيم على هوية الناظمة يعتريه نوع من المساس بحقوق المبدعة وكذا عدم مواكبة العصر التي يفرضها
وفي المقابل تضيق أميلم “فعلا يجب أن يظل هذا الأدب النسوي في ثوبه الأصلي المحتشم، فعني شخصيا لا أتحدث عن مكنوني “التبراعي” في التجمعات التي أحضر وأرفض المقابلات التلفزيونية التي تطلب مني حكاية هذا المكنون، فمن وجهة نظري أرى في ذلك اجتيازا للحيز المعتاد، كما أنني لست مع البوح المفرط الذي يصل أحيانا إلى عبارات خادشة للذوق العام”
أما الأديبة حبيبه حت فتقول لمورينيوز :” من وجهة نظري لا أرى ضيرا في في بوح المرأة بما تكنه من مشاعر مع الاحتفاظ طبعا بالطابع الذي يفرضه الحياء وتفرضه الحشمة، لكن أحيانا تنتاب الشاعرات بعض المشاعر فتأتي على شكل تبريعة تلقائيا
وحين تكون الشاعرة متمكنة من ناصية “التبراع” فغالبا يتميز ماباحت به بالسلاسة وعدم التكلف وبساطة الألفاظ مع جزالة المعنى”
وتضيف حبيبه “فمثلا هناك إحدى السيدات عبرت مرة قائلة :
يَخُوتِ وَالله ْ… اَلَّ بَنْضِ تَقِيُّ اللَّهْ
اي ما معناه: أقسم بالله ان تقي الله “إسم المقصود” ماكر جدا ..
وتستدل حبيبة بهذا النموذج في كلامها أعلاه حيث تقول” هذه السيدة عبرت عن استنتاج استنتجته من هذا الشخص المدعو تقي الله في شكل رائع مبنى ومعنى..
وتضيف حبيبة “التبراع أدب رفيع كان لديه جمهور خاص يتداوله في مابينه باستمتاع، وكان يخلو من عوامل الانحطاط، ولكن مع ظهو وسائل الاتصال الاجتماعي، أصبح يستحيل بشكل قطعي ذلك الاحتكار من طرف ذلك الجمهور حيث اختلط الحابل بالنابل وصعد جمهور جديد، يأبى إلا أن يدفعه إلى مظاهر الانحطاط”.
نواكشوط-“مورينيوز”- من هدى الميزيزي