بنشاب : التفصيح أو الترجمة
أثارت الأديبة الشاعرة Sama Rama إشكالا جديرا بالمعالجة والاهتمام، ويتعلق الأمر بتفصيح أوترجمة "لغن الحساني" ليغدو في ثوب فصيح، مقدمة لنموذج تفصيح "طلعة" الشيخ ولد المكي:
دَهْـــرْ انْـتَـلْـكِـي دَهْــرْ أَكْــتَــلِّـــي @ مِـنْ فِــگْــدُو مَــا گَــطْ احْـــجَــلِّــي وِاللِّــيـــلُـو عَـــنْـــــدِي مِـــتْـــــوَلِّي @ دَهْـــرْ امْـــبَـاكْ انْـبَــــلَاچْ؛ اهْــلَاكْ
...........................
التي "فُصِّحت" بأبيات رائعة للشاعر الدكتور يحيى البراء:
وَذِكْـرَةُ أيَّــامٍ لَـدَى انْتَلْكِـي أَوْرَثَــتْ ** فُـؤَادِي عَـقَابِيلًا مِنَ الْحُبِّ مَا تَــبْـــلَى
فَمَا مِثْلُهُ في الدَّهْـرِ حُبٌّ عَـرَفْـتُـهُ ** وَإِنْ فَـتَـنَـتْـنِـي بِانْبَـــلَاچَ جَـــهْـــلَا
...............................
و هذا النمط من الحراك الأدبي ليس جديدا، لا في أدبنا الشعبي ولا في الأدب العالمي.
كانت لهذه الحركة بالذات بداية في السبعينيات، مع العلامة المختار ولد حامد و عميد الأدب الشعبي محمدن ولد سيد ابراهيم، و قد أجادا فيها كما أجاد الدكتور يحيى البراء في هذا التفصيح، الذي كان يسمى " ترجمة".
و مهما كان التفصيح جميلا و رائعا، فإنه يبقى دون مستوى النص الأصلي أو المترجم - أو فوقه - في تذليل الأفكار المطروقة و نشرها، حتى يكون قاب قوسين أو أدنى من نص مواز للنص الأول.
و الأمر ليس بالجديد في مسار الأدب، فلو ألقينا نظرة إلى ترجمة الشعر الغربي إلى الشعر العربي، لوجدنا نفس الإشكال، سواء في القالب الشعري من حيث هو عمودي أو حر، أو في طرق الفكرة، التي يتذوقها الأوربي بطريقة تختلف عن تذوق العربي، و الأمثلة كثيرة في ذلك، فباستثناء النصوص النثرية مع المنفلوطي مثلا، نجد العجز أو شبهه في النصوص الشعرية، فقصيدة "البحيرة: LeLac" للشاعر الفرنسي لفونس دي لامارتين ، التي مطلعها
Le lac
Ainsi,
toujours poussés vers de nouveaux rivages
Dans la nuit éternelle emportés sans retour
Ne pourrons-nous jamais sur l'océan des âges
Jeter l'ancre un seul jour?
عولجت بترجمات متعددة، لم تفلح في رأيي، في نقل روح القصيدة، و إنما تم نقل جسدها الجامد و المعزول عن فضاء الشاعر، إلى عالم آخر قد نجد فيه لمسات تحسينية أو إبداعية، لم تلتزم الترجمة الشكلية بقدرما التزمت ترجمة جوهرية، تختلف عن القصيدة، و قد عالجها غير واحد من جهابذة الأدب و اللغة:
فترجمها إدريس الواغيش:
البحيرة
هكذا ...
نحن مدفوعون دوما إلى عوالم جديدة
في الليل ا بدي نُْجر ُف بعودة
فَهل استطعنا، ونحن نجوب محيطات أعمارنا
تَْرك المرساة ليوم، يوم واحد؟
كما ترجمها الطبيب الأديب نقولا فياض:
أهكذا أبداتمضي أمانيُّنا @ نطوي الحياة وليل الموت يطوينا
تجري بنا سفن الأعمار ماخرة@ بحرَ الوجود ولا نلقي مراسينا
فإذا أضفنا إلى هاتين الترجمتين، إلى ترجمة محمد مندور نجد الإختلاف واضحا، ويتضح أكثر مع روح القصيدة نفسها.
والحال نفسه في تفصيح أو ترجمة "لغن" أو "تعجيم" الشعر الفصيح بنقله إلى الشعبي...
لكن، أليس وضع النص في حد ذاته انتاجا أدبيا؟
و يكفينا أن نقول في ذلك، إن هذا النص جارى ذلك النص أو حاذاه، و لا ضير في ذلك، بل هو مطلوب ومرغوب فيه، لكن الترجمات تبقى دوما متوازية، لا تلتقي إلا في الذهن.