بنشاب : ها نحن نصل المحطات الأخيرة من مسلسل محاكمة ما يسمى "ملف العشرية".
كنا نرغب في هذه المحاكمة، لا لأننا على يقين من حيادتها ولا عدالتها المطلقة، ولا لتسليمنا بفصل السلطات، وتبادل المشورة والتأثير بين الجهاز التنفيذي والجهاز التشريعي، وقد عرفنا لِمَ تم عزل معالي وزير العدل السابق، حيمودة ولد رمظان، يوم أحيل إليه الملف، فعرفه وثَقِفه، وقد كنا نعلم الخليط غير المتجانس الذي تم به تشكيل لجنة الإحالة البرلمانية، لكن القاسم المشترك الوحيد بين مكوناته هو الاستهداف البين للرئيس محمد ولد عبد العزيز والإضرار به، على خلفية "نظرية المرجعية"، خليط من نوعين: نوع من أحزاب سياسية، عرفت بعدائها للرئيس محمد عبد العزيز، سواء تلك التي فرّطت في الدين، أو التي أفرطت فيه، أو التي تأرجحت بين ذا وذاك، ونوع من لوبيات الفساد المتورطة في ملفات متابعة، شكلت عبر مصالحها المشتركة زمرة، لتبرز في النهاية لجنة برلمانية من هذا الكوكتيل، فيها مسحة تقليدية من البداوة الجهوية المصطنعة، هذا الخليط لعب به حماسه وتلهفه واتقاد جذوة الانتقام في سويداء نفسه، إلى أن يتجاوز الحدود القانونية والدستورية، ليقدم طبخة سيئة الإعداد والإخراج، الشيء الذي جعل بعض أعضائه يخرجه معلنا كيف زاغ وحاد عما أريد له أصلا، لكن ذلك لم يمنع الفقهاء القانونيين المتمترسين معه بتشجيعه وتحميسه، بتأويل بعيد المنال وضعيف التأصيل وغريب الإسناد، ليصل الملف على جناح السرعة، للنيابة،التي أحالته في اللحظة نفسها للشرطة السياسية الجاهزة لانتقاء الرئيس محمد ولد عبد العزيز من بين 318 متهما، وتبدأ إجراءات الحجز والحجر والتعسف، وكل هذا حدث في يومين متتاليين، مصحوبا بالخطة التي اقترحتها النيابة وأهم ما فيها هو التركيز الإعلامي وعلى المدونين خصوصا والتي اختفت وسحبت لا حقا مع بقية الملف التي تم إخفاؤها، والذي لم يذكر فيه الرئيس محمد ولد عبد العزيز ولم يشر إليه، وباختفائه، تكون التحقيقات الأولية ناقصة، وبلا دليل ولا بينة، ولا حتى قرينة، لينضاف خرق آخر صارخ لمبدإ الحضورية في الإجراءات ...
لا يهمنا الآن أن يحاكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز، من قضاء عادي، ولا أن يتابع ويلاحق من قضاء غير مختص، ولا أن يتم تجاوز التحصين المطلق بالمادة 93، ولا نظرية الأعمال المنفصلة والمتصلة، التي قال فيها الفقيه القانوني حيموده ولد رمظان كلمته: إن وحدة الفرد لا تتجزأ قانونيا، كما أنه لا يهمنا أن الإجراءات كلها كانت خارجة عن سياق الدستور وقانون التنظيم القضائي، وقانون الجمعية البرلمانية، وعن قانون نظام محكمة العدل السامية، كما أنه لا يعنينا، أن تكون المحكمة غير مختصة، ضد شخص غير معني، ومتعلقة بوقائع متقادمة وغير ثابتة وغير مجرمة، في وجود لفيف مزعوم، أقحم بدوافع معلومة، كل منه يمثل جهتين مختلفتين يرافع عنهما وعليهما في تناقض صريح.
كل الذي يهمنا، سواء أدين الرئيس محمد ولد عبد العزيز، أم تم التصريح بعدم اختصاص المحكمة، أم تمت البراءة احتياطيا، فإن الناحية السياسية للملف وخلفية أعضاء الطرف الآخر أمور أصبحت واضحة، وبأن التحدي الذي تقدم به محمد ولد عبد العزيز في أول لحظة ما زال قائما، وبأن البراءة بعدما تقدم به هو وهيئة دفاعه، ظلت حاضرة وموجودة، وبأن الفشل وتدهور الأوضاع لا يعالج بالتعدي على الوطنيين المخلصين، الذي آلوا على أنفسهم أن يظلوا بررة ومخلصين لهذا الوطن، فعلا وقولا، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
ذ/ أحمدو شاش