سندريللا_مرهج:  تعليق جزئي على قرار قضائي و نسخة خطية عن مرافعة. 

أربعاء, 11/10/2023 - 13:53

بتاريخ ٩/١٠/٢٠٢٣ قدّمت أمام  المحكمة الجنائية المختصة بالجرائم المتعلقة بالفساد في #نواكشوط مرافعة جزئية  بموضوع  وجوب قبول لائحة شهود نفي بعدما أفسحت لنا المحكمة المجال للكلام و بعد انسحاب هيئة الدفاع في جلسة ماضية. 

في التاريخ عينه، قررت المحكمة رفض الطلب و ورد في حيثيات القرار  ما وجَدته "عدم جدية"  طلب الدفاع إذ ان البعض سماه طلبا اضافيا والبعض سماه حدثا عارضا… 

فوجئت شخصياً بالتعليل القضائي للقرار بمجمله و لم أُفاجأ بالقرار. 

تعجّبت لا سيما للناحية هذه  في التكييف القانوني لطلب الدفاع و النتيجة التي وُصّف فيها بعدم الجدية بسبب تعدد العناوين الشكلية ( و هذا ليس الحال )
على الرغم انه لا اختلاف  لا في النوع و لا في التسمية و لا في المضمون. 

نجد أنّ القرار  القضائي موضوع التعليل  أخطأ في تلقّف القصد من "الحدث الطارئ" الذي طرحتُ والذي يتمثل  حصراً في #قرار   رفض المحكمة طلب لائحتي الشهود الخطي دون سند واقعي و قانوني و القرار الثاني الشفهي في جلسة ٤/١٠/٢٠٢٣ الذي اكد على القرار السابق و الذي رفض الاستماع و تسجيل الطلب الجديد، الجلسة  التي انسحبنا منها حينما رفض رئيس المحكمة  تسجيل الطلب والاستماع الى لائحة شهود  كان يتلوها الزميل المامي، انسحبنا لانتهاك حق ودور دفاع. 

حدث طارئ بامتياز، يستوجب من الدفاع المهني الأمين تأكيد طلبه  أمام المحكمة عينها و الطلب منها مجددا التداول  فيه بغية اصدار  قراراً خطياً يكون قابلا للاستئناف والتمييز وهذا ما 
حصل عند انسحاب المحكمة للتداول واصدار قرار بالاجماع برفض الطلب.  
و القرار الخطي ما كنا نبغاه. 

أمّا القرار موضوع التعليل  فأتى في طياته معتبراً ان ما ذكرناه  بمصطلح "الحدث الطارئ " هو  عنوان الطلب، و ما تلقّفته المحكمة لهذه الجهة خاطئ وليس ما ورد على لساننا وليس المقصد القانوني . 

في نقطة قانونية أخرى،
تغاضى القرار الصادر في ٩/١٠/٢٠٢٣  في ما خلص اليه "بعدم الجدية لتعدد نوع الطلب او تسميته او وصفه، 
عن قاعدة هامَة في  دور وحق الدفاع وهي الحق المطلق للمتهم ودفاعه بتقديم  ما يشاء من طلبات وأن يقدم الاسناد القانوني الذي يراه مناسباً،

و على المحكمة الرد على الطلبات كلّاً على حدى، ولا يلزم الدفاع بتوحيد الوصف القانوني للطلب و لا مضمونه شرط عدم التناقض بالنتيجة، و يعود للقاضي وحده صلاحية اعطاء الوصف القانوني الصحيح للوقائع والطلبات.

انه اسلوب دفاع تخصّصي معتمد في القضايا الجنائية الهامة وقائعها و مسائلها القانونية، و التي يختار فيها المتهم توكيل محام واحد أو أكثر؛ و لئن كان ذلك يربك المحاكم في مجهود إضافي بالبحث القانوني للبتّ، و هذا ليس شأناً على الدفاع مراعاته، و ليس محلّا للتعيير من جانب المحكمة أو أيّ كان. 

 
و هنا تجدر الاشارة ان دفاع الرئيس #محمد_ولد_عبدالعزيز  انتهج هذه الاستراتيجية منذ اليوم الاول في تقديم دفوعه و التي استند فيها الى دفوع دستورية وشكلية ونظام عام و عدم قبول و غيرها والتي ضُمّت الى الاساس ما يوجب الرد القانوني عليها كلاّ على حدى  فيما اذا تمسّكت المحكمة بواجب "التعليل القانوني".

للأمانة المهنية ولاني لا اعرف ماذا  تم تدوينه في محضر المحاكمة من المرافعة،

و نزولا عند رغبة عمداء وزملاء

و صحافة، انشر ما جاء في المرافعة.    
 

"السيّد  الرئيس 
السادة القضاة أعضاء المحكمة 
الموقرة 
حضرة وكيل الجمهورية المحترم 

إنّ المسألة المثارة أمام محكمتكم الكريمة من جانب الدفاع  بموضوع استدعاء شهود، 
على قدر كبير من الأهمية الواقعية والقانونية لما تحمل في طياتها من سببين ونتيجتين في آن واحد 
الأولى : احترام قاعدة تكافؤ الفرص بين الأطراف بمن فيهم المحكمة, الطرف المحايد  
الثانية : صلاحية وأهلية المحكمة في صَون حقوق ودور الدفاع في محاكمة عادلة . 

الإشكالية القانونية المُثارة هي:
أولاً : مدى توافر حق الدفاع في تقديم لائحة شهود نفي في أي وقت من أوقات المحاكمة قبل اختتامها 
ثانياً: مدى توافر صلاحية المحكمة في رفض لائحة شهود النفي 

ما يُبحث يتناول حدثاً عارضاً نصّت عليه المادة 286 من قانون الاجراءات الجنائية. 
Incident de Contentieux 

إنّ القانون هنا  لم يحدّد مفهوم الأحداث العارضة، لكن في الاجراءات الجنائية قواعد عالمية Règles Universelles التزمت بها الدول ومنها:
"أنّ تقديم لائحة شهود النفي من جانب المتهم حقّ لا يُتنازل عنه الا برضى المتهم وعلى المحكمة ان تتمسّك بالحفاظ عليه". 
إنّ المبتغى من الشهود الذين يقدمهم المتهم هو على عكس ما الادانة التي يريد  الطرف المدني او النيابة العامة احقاقها. 
يتمسك  المتهم اي متهم في  وسيلة    دفاع لنفي التهمة عنه اوإثبات عدم صحة أو صوابية ما ورد على لسان أي من الشهود الآخرين سواء كانوا شهود ادعاء (اثبات) او شهود محكمة، او لاثبات عدم صحة الملاحقة والاسناد والادعاء او ان التحقيقات لم تكن مكتملة أو على قدر من المهنية و التخصّص. 

اذا رفض القاضي قبول و استدعاء الشهود الذين يعينهم المتهم في أي مرحلة و وقت قبل اختتام المحاكمة يكون بذلك قد انتهك حق المتهم بالمحاكمة العادلة، و القرار المتخذ في هذا الصدد مفسوخ حتماً من محكمة التمييز. 

تنصّ المادة ٨٠ من الدستور الموريتاني على تراتبية و هرمية قوة القوانين. 

صادقت الجمهورية الاسلامية الموريتانية على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية في ١٧ تشرين الثاني ٢٠٠٤ 
و صادقت على العهد الافريقي لحماية حقوق الانسان و الشعوب في العام ٢٠٠٥ 
و منذ ذلك الحين أصبح القاضي الموريتاني ملزماً بتطبيق قواعد العهدين الدوليين المذكورين بشرطين:
-الأول: عند غياب ادراج القواعد المنصوصة في العهدين بالقوانين الداخلية
-الثاني : عند تعارض قواعد القانون الداخلي مع قواعد العهدين المذكورين عندها يضع القاضي جانباً قواعد القانون الداخلي ويطبق العهدين الدوليين سنداً للمادة ٨٠ من الدستور التي سبق وذكرناها. 

و هنا تجدر الاشارة  ان قواعد العهدين  يتوافقان تماما و لا يتعارضان في اي من بنودهما بل ان نصيهما في تناغم مطلق Harmonie Absolue 
و في مسألة الشهود، المادتين ١٤ من العهد الاول و٧ من العهد الثاني تتوافقان على حق المتهم بالشهود. 
و هنا، نؤكد وسنداً لاجتهادات جنائية صادرة عن المحكمة الاوروبية (ولا يمكن لمحكمة بُنيت من ميل على نظريات اجنبية باعمال متصلة و منفصلة ان تهمل الاستدلال باجتهادات اجنبية مقارَنة…)
-لا يعود للقاضي الانتقاء بين الشهود 
-لا يعود للقاضي تقدير شهادتهم قبل الادلاء بها 
-لا يعود للقاضي تحديد صفة ونوعية ومستوى ووظيفة الشهود 
لأن القانون قيّده ب L’inamovibilité 
المواد 280 فقرة ٢ و 296 فقرة ٢ من قانون الاصول الاجرائية 

القاضي لا يخضع الا لسلطة الدستور والقانون، ولا سلطة لرئيس جمهورية او وزير او وكيل او اي شخص آخر عليه 
المادة ٩٠ من الدستور الموريتاني. 
 
يسجّل دفاع الرئيس محمد ولد عبد العزيز حدثاً طارئاً ويطلب من المحكمة الكريمة اتخاذ القرار باستدعاء الشهود الواجب دعوتهم عبر النيابة العام و المحكمة العليا الذين سماهم رئيس جمهورية موريتانيا السابق محمد ولد عبد العزيز والذين تلا اسماءهم  الزميل محمد مولاي المامي و المسند على القانون الدولي و القانون الوضعي المواد ٢٩٤ و ٢٦٣ و ٥٨٧ اجراءات جنائية و٧ تنظيم قضائي  ليمثلوا امام محكمتكم في اليوم والساعة التي تحددون.

بالنسبة للاجتهاد الفرنسي حول الاحداث العارضة بموضوع لاىحة الشهود 
أكد الاجتهاد انه يمكن للمتهم ان يطلب دعوة الشهود par voie de conclusions 
Cour de Cassation Française, Chambre Criminelle, 21 Janvier 1991- Bulletin criminel no 32 
وإمّا par voie de citations 
Cour de Cassation Française, 
Chambre Criminelle, 29 avril 1997, pourvoi en cassation no 95-80848)
و هنا يهمّنا أن نذكّر محكمتكم الكريمة ان المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان أدانت فرنسا في أكثر من دعوى رفضت فيها المحكمة لائحة شهود مقترحة من المتهم واخرى مسماة منه  و CEDH لا تتردد في انزال العقوبة والحكم بالتعويضات. 
Il en est de même dans sa Jurisprudence 
CEDH- 20 septembre 1993- Saiidi c/ France JCP 1994, tome 2, 2225, note chambon 
 قدمنا اجتهادات.. 

بالعودة الى قانون الاجراءات الموريتانية، السيد الرئيس، 
لم نجد اي نصّ يحظّر دعوة وزير أو ضابط او مسؤول الى الشهادة 
والمحكمة والحالة هذه، ملزمة بتطبيق القواعد الدولية التي ذكرنا 
و هي مقيدة في  المادتين  587 و 592 من قانون الاجراءات الموريتانية و وفق القانون عليها الا  تنحو اي منحىً آخر. 

قرأنا  اجتهادا فرنسيا حديثاً فسخت فيه محكمة التمييز الفرنسية قرارا قضى برفض الاستماع الى شهود بعدما وجدت انه غير مبني على  DES raisons 
concrètes.
 
محكمة التمييز الفرنسية ٢٦ فبراير ٢٠١٩ 
Violation des art 6.1 et 6.3 . d de la CEDH"

منعاً من الاطالة في الجلسة و نزولاً عند رغبة رئيس المحكمة في بداية المرافعة و التي تمنى فيها عليّ الاختصار، لم اقدم الاتي، انشره هنا :
مقالة كتبتها القاضية  اليودي ديلاكور- المساعدة القانونية للنيابة العامة للغرفة الجنائية في محكمة التمييز  الفرنسية- في ١ فبراير ٢٠٢٣ بعنوان 
“Procédure inéquitable pour refus d’audition de témoins à décharge “ 
و التي اكدت فيها على واجب المحكمة الالتزام بضبط التعادل في حق تقديم وسائل الاثبات و النفي و ان المحكمة الجنائية  
Compétente pour contrôler l’équité du procès. 

بما معناه،  ان صلاحية المحكمة الجنائية مطلقة في ضبط و مراعاة اصول المحاكمة العادلة و لا تحدها مهل و لا قوانين داخلية و قد حمى وغطّى  الدستور الوطني و القانون الدولي، القاضي،  و ذلك في المعاهدات التي وقّعت و صادقت عليها الدولة،
لأنّ كشف الحقيقة هي الواجب  الاول قبل الادانة و العقاب، و القضايا  الجنائية أولا وآخراً "إنسانية" و الإنسان مؤتمن على "حياة الإنسان". 

#نواكشوط ١٠/١٠/٢٠٢٣