بنشاب : وأْد مدارس الامتياز حماقة تربوية
لو أن الشأن التربوي تُرِك لذوي الاختصاص، وأُبعد عن السياسة والمتسيسين، كان بالإمكان تحقيق نتائج إن لم تكن حسنة، فهي - على الأقل - أفضل من الأسوإ، فقد كان المجال التربوي مسرحا للفساد في الداخل والتكسب في الخارج والصراع في الطوائف السياسية والشرائحية.
فارتجال 99 لم يكن سوى صفقة تجارية لاستجلاب تمويل قدمته فرنسا وتم ترسيمه سريعا تماما كالذي سبقه في تمويل النشر التربوي وألفت فيه الكتب، لا لغرض تربوي وإنما لاستجلاب التمويل المقترح في الآجال المحددة، وهكذا ظل نظامنا التربوي بين العرض والطلب خارج متطلبات المنظومة التربوية، يضاف لذلك تفريغ الطواقم التربوية من مهنة التدريس وتكديسهم في الإدارة بون وظيفة، تارة باستخدام النفوذ وتارة بانتهاء فترة الصلاحية وفق المناهج الجديدة.
في زمن العشرية، وفي ظل تراكمات الفشل والفساد، استحدثت لمسات تحسينية، لا يمكن إيجاد غيرها من الحلول المواتية، فكانت فكرة مدارس الامتياز والمدرسة العسكرية والمعاهد الفنية والمتعددة التقنيات، وفي مرحلة لاحقة المدارس النموذجية، وساهم ذلك كثيرا في تحسين جزئي للأداء التربوي، ورغم انحطاط المستوى التربوي دوليا، فإن موريتانيا من خلال تلك اللمسات التحسينية، كان لها حضور متميز وملحوظ في الجامعات الدولية، وأحرزت ولأول مرة المراكز الأولى في بوليتكنيك الفرنسية، متقدمة على الدول الإفريقية.
وفي رحاب العلم والمعرفة، تذوب الفوارق الاجتماعية، والتعدد اشرائحي والتلون الطائفي والتفاوت الطبقي بشكل تلقائي، فالمواهب والقدرات الذهنية لا مجال فيها للون ولا للفقر ولا للغناء، فكم من فقر شق طريقه للنوغ والتميز، وكم من غني أعيته اعتبات الأولى في مراقي العلوم والمعرفة.
الآن، وكخطوة من خطوات حرب العشرية وطمس معالمها، تدار حرب على وأد مدارس الامتياز، ومن الذين دافعوا عنها في الآونة الماضية، ومنهم وزير التهذيب الحالي يوم كان رئيسا لأحد مكاتب آباء التلاميذ في مدرسة مدارس الامتياز، ومحاولة الوأد هذه، تأتي بطريقة ما يسمونه التمييز الإيجابي للطبقات الهشة، خطوة في ظاهرها البراءة والرحمة، وفي باطنها دق مسمار الرحمة في نعش التعليم.
فالقسم إذاكان بعضه يأتي باستحقاق المسابقات، والبعض الآخر من البلداء المحبطين، فهذه تدمر الفئتين معا، المتمزين والبلداء على حد سواء.
لكن، لم لا نعالج الإشكال بطريقة تنفع ولا تضر؟
المدارس النموذجية، كانت خطوة رائدة لخلق جو تربوي يستفيد منه الجميع، لكنها وُئدت بدعوى إنشاء المدرسة الجمهورية، وبشكل مماثل، فقدت التي وضعت من أجلها النموذجية ورجعنا لنظام القسم المهمل تربويا، في طاقمه وفي جوه وفي اكتظاظه لحد جلوس التلاميذ على الجص مباشرة، مع غياب الرعاية التربوية والصحية والإدارية.
أعتقد أن الإشكال التربوي ليس في التسميات ولا في القضاء على اللمسات التحسينية في أي مرحلة من مراحل الأنظمة المتعاقبة، وإنما تكمن في استراتيجية طموحة وفعالة، تقوم على توفير الجو الملائم لأداء الوظيفة التربوية، فإعداد المدرس بمهنية وكفاءة وتوفير دخل ملائم يصرفه عن الانشغال بمهمته، وتوفير طاقم إداري جاد ومسؤول، وفي رعاية التفتيش الدائمة والمستمرة، والعناية بالتلميذ في زيه وحضوره وتوفير بنية تربوية ملائمة، وعدد من التلاميذ يستوعبه المدرس وتستوعبه القاعة، كل هذا قد يكون سبيلا نحو وضع لمسات تحسينية، سميها ما شئت، تذوب فيها الفوارق الاجتماعية وتخلق وعيا وطنيا مشتركا، وغير محض أحلام وتلاعب بمشاعر المواطنين، وتسارع نحو انهيار اجتماعي، يضيع فيه الوطن والمواطن، وسيضيع فيه المفسد قبل هذا وذاك، لأن عواقب الانهيار كالزلزال والطوفان، لا تفرق بين المفسد والمصلح.
الأستاذ/أحمدو شاش