بنشاب : بعد مخاض عسير ولدت جمهورية موريتانيا الاسلامية بين ضفاف النهر و على شواطئ البحر و فوق الصحراء المخيفة .
كان الشعب تعبيرا صادقا عن مواطنه الثلاث البحر والنهر و الصحراء وكانت تقاليده حاضرة بقوة اثناء التلاقي و التقارب والتعايش في كنف الوطن الجامع الجديد ولم تكن سلطته سوى جزء يسير من تلاقح المجتمع العتيق مع الوافدين القاهرين الجدد ، لذا خاضت المجموعات صراعا مريرا وعنيفا في بعض محطاته من اجل فرض خلفيتها و قد نجحت المجموعات القوية من فرض مميزاتها على الوطن الحديث و استخدمت الدين كعامل مشترك لتلطيف جبروتها و لتجبرها في وصم المجتمع بميسمها البدوي العربي القبلي الرخو تحت قبة الوطن الجمهوري المفترض فيه أن يوفر الشرف والعدل والإيخاء بين مختلف مكونات المجتمع في شكله الحديث المطالب بحق التعايش المشترك المتكافئ المعبر عن براءة وجدية العيش المشترك بين الجميع والتي اتضح لاحقا انها طعم لإدخال الجميع في الحظيرة و انها ليست من الاولويات تماما كالهوية،التي عبر عنها الوطن الحديث بخجل و غموض تدفع الاجيال اليوم ثمنه باهضا من الانسجام ومن توكيد الثقة المتبادلة بين مختلف مكونات الشعب.
تجاوزت الانظمة بسرعة فائقة البحث عن حلول لمشاكل أسس البنيان الجديد و ظلت تمني المجتمع باقتراب تنفيذ تلك الحلول و ظلت الهوة تزداد اتساعا و الحلول تزداد صعوبة وتطبيقا حتى اقتحمت العولمة و وسائلها و حطمت الحدود و تغلغلت في بيوت الجميع تتيح فرصة التعبير و تشجع البداة الرحل على ملئ فراغ غرائزهم و تجربة قوة احبال صوتهم و استعدادهم للحديث دون خطوط حمراء و لا محرمات في الدين والعادات و في السياسة والمجتمع والاقتصاد وهي الطرفة التي تحدت النخبة المسيطرة تقليديا و الموجهة حصريا للمجتمع في كنف الجمهورية .
لم يتأخر ظهور استفحال السكوت عن نبذ الاصلاح خلال المحاولات الرسمية في اللحظة المنصرمة من تاريخ النظام السالف ،حتى ظهر ما نعيشه اليوم وما عبرت عنه السلطة التنفيذية بكل مؤسساتها في مواحهة العملية الامنية الدموية الأخيرة من ارتجال للحلول وفقدان لبعد النظر في المديين المتوسط والبعيد ، فالمواجهة مع الارهابيين بينت ازمات متعددة في الكم والكيف و في الخطط و حتى في توصيل الجهد للمجتمع ، بل وحتى في العقيدة والولاء وفي حماية الشهود والاعوان ، فحينما تصدر ناقل قروي وعمدة ريفي خبر العثور على الفارين على ما يتطلبه الخبر من سرية و حيطة وحذر امتلأ " الاعلام الخاص " قبل العام بالنبأ و اسهب مدونون كثر في الحديث و التفاصيل و اصدرت الجهات الامنية بيانا مشتركا ، تحدثت فيه عن تدخل قوات النخبة ، لتظهر نخبة قواتنا الأمنية و هي عاجزة عن محاصرة اربعة ارهابيين ترجلوا عن سيارتهم و زادهم
وعتادهم محمول على اكتافهم في منطقة وعرة كما اتضح نقص التجهيزات في الطريقة التي تم بها نقل الجثث وتثبيت المستسلم و حتى في نشر الصور و مقاطع الفيديو دون مراعات مشاعر اسر القتلى و دون الالتزام بالقانون الدولي فيما يخص احترام كرامة الانسان ارهابيا كان او شيخ زاوية .
ليس غريبا ان يعبر الوطن بطريقته المألوفة المرتجلة عن الاحداث التي تواجه قادة رأيه فالمهم هو أن نصنع في احلامنا انتصاراتنا على الخوف والجوع وعلى الارهاب وحتى على منافسينا و لا حاجة لدراسة المآلات والمطالب و لا حتى تأمين المساء من اخطاء الصباح القريب فهكذا هي سمتنا و هكدا هو تكرار ردات فعلنا و هكذا هي طريقة ترسيخ تجاربنا الفاشلة اما الناجحة فلا تستحق الا الانكار و الطمر و التشويه و التشهير حتى لا تجد من الاجيال اللاحقة من يبني عليها جسم الجمهورية المشتة الانتباه و هي على درب فرض الوجود والتعبير عن ذاتها وتميزها و استقلال قرارها ... فإلى متى .... ؟