بنشاب: مرحبا بالخسائر (Bonjour les dégâts) فمن زرع الشوك لا يجني العنب!
عامان ونصف؛ أي ما يقارب ألف (1000) يوم وليلة، مضت من مأمورية فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، ومن عمر موريتانيا، ظل خلالها – بمكيدة- "ملف فساد العشرية" الشغل الشاغل للوطن وللشعب، والبرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي لا يعلو صوت فوق صوته! رغم هول وباء كورونا، وانعكاسات الجفاف الدائب والتصحر، وتحديات الأمن والتنمية والتقدم!
لم يذهب زمننا سدى، وليته كان ذهب! وما تهنا في طرائق قدد وانشغلنا عما هو أساسي وممكن شهرا أو شهرين، أو سنة أو سنتين، ثم أفقنا، وانتبهنا لحالنا البائس، وشعرنا بالخجل والضجر، فشمرنا عن سواعدنا ونادينا بأعلى صوت: حي على الفلاح! كلا.. بل أنفقنا هذا العمر، وما زلنا ننفقه لحد الساعة، في تدمير أنفسنا، وتشتيت شملنا، وهدم كياننا على جميع الصُّعُد.
- انقلاب على النهج الوطني الذي أسسته على أنقاض كبوة وتيه يوليو، ورعته وحمته حركتا أغسطس. وتفكيك الأغلبية الوطنية. وتخريب بيت الوطن. لتذهب جهود الشعب هباء! ونعود حفاة وعراة من المبادئ والقيم إلى درك الفساد والتخلف وانعدام الأمن وتلاشي الهيبة والمصداقية.
- ظهر الفساد، وطغى النهب الممنهج من جديد، تحت عباءة "الإصلاح" و"الإجماع الوطني" والعصبية المقيتة، وتم الالتفاف على مكاسب ومصالح الشعب، من حرية وديمقراطية وبناء وسياسات اجتماعية. كل يعمل على شاكلته، وينهب ما استطاع إلى النهب سبيلا، متأولا تارة، ومتعمدا ومتبجحا تارة أخرى، إذ لا ناهِيَ ولا منتهِيَ! ولا مثقال ذرة من الاهتمام بالمصلحة الوطنية ومستقبل الأجيال القادمة.
خلا لك الجو يا أقزام فانتفخي ** وجادك الغيث يا فئران فاقتاتي!
- وإذا كان من بصيص أمل وطني في هذا الليل البهيم، فهو أن عملية اجتثاث الرئيس محمد ولد عبد العزيز من المشهد الوطني قد فشلت فشلا ذريعا ولله الحمد. ولذلك قصة مثيرة سأحاول تلخيص بعض وقائعها في سطور:
* ظُلم الرجل ظلما شنيعا لا يستحقه من كان في مكانته السامية: اتهم بالباطل، وانتهكت حصانته الدستورية بغيا وشططا، وديست كرامته، ومُنع من ممارسة حقوقه المدنية، وحُرم من حق التعبير، وصودرت ممتلكاته وممتلكات أهل بيته وأقاربه.
* ثم اختطف وسجن وعذب عذابا يحظره الدستور ويكيِّفه جريمةً ضد الإنسانية (المادة 13) وذلك على مدى أزيد من 6 أشهر في زنزانة انفرادية لا يرى نور الشمس، مقطوعا عن الأهل والأصدقاء وعن العالم، وممنوعا من الهاتف والمذياع والتلفاز والصحف، وتحت مراقبة أجهزة وكاميرات التصوير والتنصت، وحراسة مشددة من أربعة أجهزة قهر مختلفة الولاء، من بينها إدارة أمن الدولة، وجهاز مكافحة الإرهاب.. وهي جهات لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالتهم الباطلة الموجهة إليه؛ مما يؤكد - بما لا يدع مجالا للشك- أن القضية برمتها قضية انتقام واضطهاد سياسيين ولا علاقة لها بالفساد!
* رُفضت جميع طلبات الحرية المؤقتة المؤسسة التي تقدم بها دفاعه؛ خلافا لصريح القانون، وعددها خمسة.. وسُحب ملف طعنه من قاضي المحكمة العليا، وحوّل!
* لم يكن يعاني أي مرض قبل حبسه ومحنته، ولما انهارت صحته بسبب هذا التدمير الممنهج المتواصل تم إهماله وتجاهل خطورة مرضه في البداية، وحاولت أوساط في السلطة التعتيم على طبيعة وخطورة الداء (بيانا وزارة العدل) مما جعله عرضة للموت، لولا هَبَّة احتجاج الرأي العام بمختلف أطيافه، والتدخل الإنساني الإيجابي لأطباء مستشفى أمراض القلب، وتصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة وكالة، الذي كان على مستوى المسؤولية.
لكن جاء قرار قطب التحقيق الأخير ليصب في الاتجاه الخطأ حين وضع الرئيس المريض تحت مراقبة قضائية مشددة؛ مخالفا بذلك صريح نص المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية التي اعتمد عليها؛ والتي سنت المراقبة القضائية لتحقيق هدف واحد، هو ضمان حضور المتهم غير معلوم المكان إلى العدالة كلما استدعته؛ ومخالفا به كذلك توصيات تقرير الفريق الطبي بضرورة توفير ظروف هادئة ومريحة للمريض!
* ما تزال شعبيته على أشدها، وتزداد يوما بعد يوم كلما جد جد الشعب أو تعرض لمحنة ليس لها أبو الحسن! وما أمر وضعه تحت المراقبة القضائية المشددة وتحويل داره إلى سجن سوى إجراء سياسي يكرس خرق القانون من أجل إخفاء الأخطاء الجسيمة، وتغطية الفشل في تحقيق المخطط التدميري الأصلي، ومنع تجلي شعبية الرجل مثلما تجلت أيام وفاة والدته رحمها الله، وتوقيعه مشيا، وحجزه في المستشفى!