بنشاب: كان شهر نفمبر خلال سنوات العشرية المشرقة يشهد إقبالا كبيرا لمختلف قطاعات الدولة على إعداد التقارير التلفزيونية عن حصيلة عملها، فقد كان التنافس محتدما بين الموظفين على حجز السبق في ميدان الإنجاز طمعا في إرضاء قائد يكفر بثقافة القبيلة والجهة و الاسم العائلي للموظف، و يتعامل بعملة العمل و الجد و ينفذ قانون العقوبة بصرامة على المتخاذلين و المفسدين.
كان شهر نفمبر مزدحما بالتدشينات و إعطاء إشارات البدء و غرس جذور البناء و مرقصا لأقزام المتملقين لهز زوائد ألسنتهم أمام أبواق التزلف و التلون، فرصة خلدت للمواطنين لحظات احتراقهم بالصوت والصورة، وشكلت مرجعا لمقارنة خطاباتهم البائدة بمواقفهم المؤججة لنار فتنة المرجعية، صفعا لمؤخرة الضمير قبل الحكم عليه بالنفي و الشنق و الدفن حيا.
كان شهر نفمبر خلال عشرية الأنوار كما لم يكن قبلها: عبقا من تخليد دماء الشهداء مكتحلا بتمجيد خطاب الاستقلال و مؤسسا لموريتانيا الحديثة، التي حولها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز إلى ورشة عمل و خلية نحل يتكسر نهارها الحافل بالإنجازات كموج هادر على شاطئ ساخن تشعله حريات الرأي ومحاربة الفساد، ليبزغ فجرها الجديد برؤى ثاقبة تفجر براكين همم الشباب و تدفق خلجان آمال المهمشين على صحاري البؤس و الإقصاء..
كان ولد عبد العزيز رئيسا للجمهورية! وكانت الدولة رمحا ثاقبا أطلقه في سماء الوجود و فرض الوجود.. و السيادة وفرض السيادة.. و القوة وقوة الحضور .. كانت حقا دولة يقودها رئيس !
كانت الإنجازات ترصدها الكاميرات و أصبحت أوهاما دقيقة تتحدث عنها تقارير مجهرية تصدرها مختبرات التلميع على استحياء لينفخ في وجهها الواقع فتذروها الرياح في وديان العجز والنسيان.
سيبقى نفمبر تاج المجد و فجر الميلاد و وسام تزكية و تكريم لكل أبناء الوطن الذين خدموه بإخلاص و لن يجد فيه الخونة والمفسدون في الأرض و المتلونون فرصة للبروز أو هامشا للتخليد.
حتى وإن سجنتموه فسيسطع نجم إنجازاته لا محالة في عيونكم الزائغة و ستحضر صور تدشيناته و حضوره الأسطوري في أذهان شعبه و لو كره المنافقون و كفر الجاحدون.