" سَنا المواقف وثالوث المجد المكين "

سبت, 04/10/2025 - 19:54

في زمنٍ تماوجت فيه المروءات بين مدٍّ وجزرٍ، وتباينت فيه المعادن بين الزيف والأصالة، بزغ في أفق التاريخ ثلاث شموسٍ لا تأفل، ورُفعت على صهوات العز راياتُهم خفّاقة، لا تهتزّ لعاصفةٍ ولا تنحني لريحٍ. أولئك الذين خُلقت فيهم الشهامة فطرةً، وغُرست في أرواحهم البطولة جذورًا، لا يعرفون للمواقف إلا شرفها، ولا للعهود إلا وفاءها.

لله درّهم من ثالوثٍ نادرٍ اجتمع فيه من خصال الرجولة ما تفرّق في غيرهم، ومن نقاء السريرة ما يجلّ عن الوصف والتقدير.
أما الأولُ فأسدٌ من سباع الميدان، نُحتت أنيابه من صخر الكبرياء، يزأر للحق إذا سكت الناس، ويقف شامخًا كجبلٍ يأبى الانحناء، له في كل صفحة من صفحات الوطن أثرٌ خالد، وفي كل زاوية من زوايا المجد شاهدٌ لا يُمحى.

وأما الثانية، فأنثى من طينة الرجال، ونخلة سامقةٌ في بيداء المواقف، تأبى الانحناء مهما اشتدت عليها ريحُ الحقد، تسقي عزيمتها من معين الإيمان واليقين، فتغدو كلماتها سهامًا من نورٍ تخترق ظلمات البهتان. إنها مناضلةٌ خُلقت لتكون رمزًا لا يُدنّس، وصوتًا لا يُخرس، ورايةً لا تُطوى.

وأما الثالث، ففارسٌ من سلالة الكبار، وسيدُ المواقف حين تُختبر الرجولة، يجود بالحزم حين يَجفّ في الرجال، ويصون العهد كأنه عِقدٌ من نورٍ لا يُفصم. في صمته مهابةُ الحكماء، وفي فعله صلابةُ الأبطال، لا يُساوم على الحق ولا يُداهن في العزّة.

هُم ثلاثتهم نُجومٌ اصطفاها الدهرُ ليهتدي بها الحائرون، وأعمدةٌ من نورٍ في زمنٍ غشيه الغبارُ، يكتب التاريخ أسماءهم بمدادٍ من الكبرياء، ويُنشد الزمانُ سِيَرَهم كأنها أساطيرُ من المجد الخالد.

فلله درّهم من ثالوثٍ إذا ذُكر الشرفُ كانوا عنوانه، وإذا نُطِق بالبطولة كانوا معناها، وإذا سُئلت المواقفُ عن الصدق، نطقت بذكرهم إجلالًا وفخرًا.

ابراهيم عبد الله